مخيّم تلّ الزعتر: وقائع المجزرة المنسيّة | فصل

«مخيّم تلّ الزعتر: وقائع المجزرة المنسيّة» (2023)

 

صدر عن «المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات» ضمن «سلسلة ذاكرة فلسطين» كتاب «مخيّم تلّ الزعتر: وقائع المجزرة المنسيّة» (2023)، لمحمّد داود العلي. يقع الكتاب في 463 صفحة، ويشتمل على قائمة ببليوغرافيّة وفهرس عامّ.

يوثّق الكتاب الحوادث الّتي قادت إلى مجزرة تلّ الزعتر في آب (أغسطس) 1976، في ذروة الحرب الأهليّة اللبنانيّة، حرب السنتين، محاولًا تأريخ المجزرة بأبعادها السياسيّة والعسكريّة والإنسانيّة، ومسلّطًا الضوء على السياقات القانونيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة للّاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات اللجوء في لبنان. ويقدّم خلفيّة تاريخيّة عن العلاقات السوريّة - اللبنانيّة – الفلسطينيّة، وتحوّلاتها.

يعرض الكتاب الوضع الإنسانيّ لـ 30 ألف نسمة في المخيّم والأحياء القريبة منه، في جسر الباشا والنبعة والكرنتينا، خلال فترة الحصار التموينيّ، ويتتبّع مشكلات نقص المياه، وانقطاع الكهرباء، وضعف الخدمات الطبّيّة، وحوادث قتل المدنيّين في الملاجئ، وحتّى صعوبة العثور على مدافن للضحايا.

تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة مقدّمة الكتاب بالتعاون مع الناشر.

 


 

مقدمة

يوثّق هذا الكتاب الحوادث الّتي قادت إلى مجزرة تلّ الزعتر في آب (أغسطس) 1976، محاولًا تأريخ المجزرة بأبعادها السياسيّة والعسكريّة والإنسانيّة، مسلّطًا الضوء على السياقات القانونيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة للّاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات اللجوء في لبنان.

أُنشئ مخيّم تلّ الزعتر عام 1949 بعد النكبة الفلسطينيّة، وسكنه 1932 لاجئًا فلسطينيًّا حينها، وعندما شنّت القوّات الإسرائيليّة غاراتها على الجنوب اللبنانيّ عام 1975، أصبح مقصدًا للفلسطينيّين من المخيّمات الأخرى، واللبنانيّين الشيعة من أهل الجنوب الّذين لجؤوا إليه، وإلى حزام الفقر المحيط به في أحياء المسلخ والكرنتينا والنبعة، فتوسّع المخيّم على نحو أقلق سكّان الأحياء المجاورة له، وعزّز الحملات الإعلاميّة الداعية إلى نقله من موقعه.

أُنشئ مخيّم تلّ الزعتر عام 1949 (...) وسكنه 1932 لاجئًا فلسطينيًّا حينها، وعندما شنّت القوّات الإسرائيليّة غاراتها على الجنوب اللبنانيّ عام 1975، أصبح مقصدًا للفلسطينيّين من المخيّمات الأخرى...

سبق ذلك انتقال سلطة إدارة المخيّم من الدولة اللبنانيّة إلى التنظيمات الفلسطينيّة بعد انحسار سيطرة المكتب الثاني اللبنانيّ على المخيّمات، ليكون هذا التحوّل مقدّمة لحوادث فارقة توالدت على مدى عام ونصف العام تقريبًا، منذ أحداث صيدا واغتيال معروف سعد، واشتعال الحرب الأهليّة اللبنانيّة الّتي اندلعت شرارتها بحادثة عين الرمّانة في 13 نيسان (أبريل) 1975، وما سبقها من حادثة الكحالة واحتجاز بشير الجميّل، ثمّ الاشتباكات المتكرّرة الّتي خاضتها القوّات الفلسطينيّة مدعومة باليسار اللبنانيّ ضد «قوّات الكتائب» وأنصارها، وحتّى مجزرة تلّ الزعتر في 12 آب (أغسطس) 1976.

 

الدور السوريّ 

يقدّم الكتاب خلفيّة تاريخيّة حول العلاقات السوريّة - اللبنانيّة - الفلسطينيّة وتحوّلاتها خلال الفترة الّتي يغطّيها، ويخصّص فصلًا كاملًا يضيء فيه على الدور السوريّ في تشكيل مسار الأحداث، ويعرض تطوّر هذا الدور عسكريًّا وسياسيًّا، منذ المبادرة السوريّة الّتي أُعلنت في 22 كانون الثاني (يناير) 1976، وانحياز القيادة السوريّة بداية الأمر إلى الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والقيادة الفلسطينيّة.

لكن في مرحلة لاحقة، تغيّر المشهد السياسيّ حين بدأت تستبدّ بالفصائل الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانيّة بقيادة كمال جنبلاط مخاوف من تحسّن علاقات القيادة السوريّة مع المعسكر المسيحيّ سينتج منه تحجيم نفوذهما في لبنان، واتّهامهما النظام السوريّ بتقديم غطاء سياسيّ لقوّات الكتائب اللبنانيّة في المعارك الّتي شنّتها على مخيّم تلّ الزعتر ومواقع القوّات الفلسطينيّة - اللبنانيّة. كما يحقّق المؤلّف في الروايات حول دور عسكريّ سوريّ مباشر في الأحداث بعد دخول القوّات السوريّة إلى لبنان، ومزاعم بإرسال كتيبة دبّابات سوريّة إلى محيط المخيّم واتّهامها بالمشاركة في الهجوم عليه، وفق بعض الروايات غير المؤكّدة.

 

شهادات على المجزرة

يُفرد الكتاب في فصل «المعركة» مساحة للوضع الإنسانيّ في المخيّم خلال حصاره، إذ يتناول تفاصيل الحصار التموينيّ الّذي استهدف 30 ألف إنسان في تلّ الزعتر والأحياء القريبة منه في جسر الباشا والنبعة، ويتتبّع مشكلات نقص المياه، وانقطاع الكهرباء، وضعف الخدمات الطبّية، وحوادث قتل المدنيّين في الملاجئ، وحتّى صعوبة العثور على مدافن للضحايا. وبما أن كادر الخدمات الطبية في المخيّم انحصر بأربعة أطباء، اثنان منهم فلسطينيّان هما عبد العزيز اللبدي ويوسف عراقي، فقد اتّكأ هذا الجزء من الكتاب بشكل رئيس على شهادتيهما في توثيق محاولات انتشال جثث القتلى من تحت أنقاض الملاجئ المهدّمة، والجهد المبذول لإنقاذ الجرحى والمصابين، والبدائل الّتي استُخدمت في إسعافهم في ظلّ غياب شروط العلاج الملائمة، ثمّ إجراءات إجلائهم عبر الأحياء المسيحيّة في ظروف غير آمنة فاقمت الأوضاع وزادت تعقيد الموقف.

انتهج المؤلّف نهجًا استقصائيًّا في تتبّع شهادات قادة عسكريّين وسياسيّين وحزبيّين توزّعوا بين طرفي القتال، ومدنيّين (...) وناجين نقلوا تفاصيل رحلة فرارهم، في ما بلغ مجموعه 52 مقابلة...

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المؤلّف لم يكتفِ بالرجوع إلى شهادتي الطبيبين المنشورتين في كتابي «يوميّات طبيب في تلّ الزعتر» ليوسف عراقي، و«حكايتي مع تلّ الزعتر» لعبد العزيز اللبدي، بل أجرى معهما مقابلات إضافيّة لصالح هذا الكتاب.

انتهج المؤلّف نهجًا استقصائيًّا في تتبّع شهادات قادة عسكريّين وسياسيّين وحزبيّين توزّعوا بين طرفي القتال، ومدنيّين تصادف وجودهم في المخيّم يوم المجزرة، وناجين نقلوا تفاصيل رحلة فرارهم، في ما بلغ مجموعه 52 مقابلة؛ وقد صُنّفت تلك الشهادات زمانيًّا ومكانيًّا بالنسبة إلى تاريخ المجزرة ومكانها، لتقدِّم مجتمعة نظرة أشمل للحدث الّذي يؤرّخ له، وتساهم - إلى جانب الأعمال التوثيقيّة الّتي تناولت موضوعه - في حفظ جزء من الذاكرة التاريخيّة، ورفد البحوث والدراسات اللاحقة الّتي قد تتمكّن من إكمال أجزاء لا تزال ملتبسة وغير واضحة، حول مجزرة وصفتها إحدى الشهادات الّتي أوردها الكتاب بما يشبه يوم القيامة من شدّة هولها.

 

 


 

محمّد داود العلي

 

 

باحث فلسطينيّ حائزة على الدكتوراه في فقه اللغة (1991)، وشهادة الماجستير في الإعلام (1984). عَمِلَ أستاذًا زائرًا في «جامعة الشارقة» عام 1999، وفي «جامعة قطر» في الفترة 2014-2021.